
سيف الأمير –
شاهدت بالأمس مسرحية “الملك وأنا” من إخراج ودراماتورج محسن رزق، والتي تُعرض على خشبة مسرح البالون ضمن إنتاج البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، وهي معالجة مصرية ذكية للقصة الكلاسيكية المستوحاة من مذكرات “آنا ليونوينز”
لقد أظهر المخرج محسن رزق قدرة عالية على المزج بين الكوميديا والفانتازيا التاريخية، مع الحفاظ على إيقاع العرض وتوازن عناصره، واستخدم تقنيات الجرافيك والإبهار البصري بشكل متكامل مع الأداء الحي، مما خلق تجربة مسرحية معاصرة تخاطب الجمهور بصريًا وعاطفيًا، وكما أدار فريقًا متنوعًا من النجوم والأطفال بانسجام واضح، مما يعكس حرفية إخراجية في ضبط الإيقاع الجماعي.

وبالرغم إن النص مأخوذ عن القصة الأصلية، لكنه تم تكييفه بأسلوب مصري ساخر واستعراضي يناسب الجمهور المحلي، وكما الحوار آتى بسيطا ومباشرا، يحمل رسائل إنسانية حول الاختلاف الثقافي، تقبل الآخر، والتعايش ، دون تعقيد لغوي أو فلسفي.
حيث تدور حول ملك جزيرة “سيان” الذي يستعين بمدرّسة إنجليزية تُدعى “ياسمين” لتعليم أولاده، مما يؤدي إلى صدام ثقافي بين المدرسة وأبناء الملك، والقصة تُقدَّم في إطار فانتازي غنائي، وتُسلط الضوء على قوة الحب والتعليم في تغيير الإنسان.
لقد تولّى محسن رزق أيضًا مهمة الدراماتورج، مما أتاح له صياغة رؤية فنية متكاملة تجمع بين النص والإخراج، وتم توظيف عناصر القصة الأصلية بطريقة تخدم العرض المسرحي، مع إعادة بناء الشخصيات والحوارات لتناسب السياق المحلي.

وأما بالنسبة للتمثيل فإن لقاء الخميسي في دور “ياسمين” قدمت أداءً رشيقًا ومؤثرًا ، يجمع بين الجدية والمرح.
والفنان فريد النقراشي في دور الملك أضفى هيبة كوميدية على الشخصية، مع توازن بين السلطة والإنسانية.
اما الأطفال المشاركون فقد أظهروا حيوية وتلقائية، مما أضفى دفئًا على العرض مع الأداء المتميز لباقى الممثلين وبالأخص هبة محمد التى قامت بدور لارا “المتهمة بممارسة الحق فى الحب” على نحو متميز وتألقت بأداء أشعل المسرح وأبكى الجمهور خاصة فى مشهد المحاكمة وهى تدافع عن حقها فى إختيار من تحب رغم كونها عبدة، والطفلة دانا مصطفى والتى حازت على تصفيق الجمهور بحرارة بجدارة أكثر من مرة، والممثلان أشرف وعلاء عبيد.



واما الإستعراض فإن تصميم حسن شحاتة جاء متنوعًا ومتناغمًا مع الموسيقى، يعكس الحالة الشعورية للمشاهد، والاستعراضات كانت جزءًا من السرد المسرحي، وليست مجرد فواصل، مما يعزز الدراما الحركية في العرض.
وأتت الموسيقى والأغاني على نحو متناغم وموفف، حيث ألحان عصام كاريكا جاءت مبهجة وسلسة ، تخدم الحالة الدرامية وتُسهم في بناء الجو العام، والأغاني كتبها عادل سلامة، وتميزت بأنها تعبيرية وليست تزيينية، تنقل مشاعر الشخصيات وتدعم الحبكة.
وكانت السينوغرافيا متميزة بشتى عناصرها من ديكور د. حمدي عطية الذى كان وظيفيًا وجماليًا،، يعكس بيئة القصر الملكي بأسلوب بسيط لكنه فعال، و أزياء د. مروة عودة كانت خاطفة للنظر ، تعكس الحقبة الزمنية وتتناغم مع الإضاءة لتغيير الحالة الدرامية.
ومن اهم العناصر التى يجيدها المخرج ويجيد توظيفها هى الفيديو والبعد التكنولوجي، حيث تم استخدام الشاشات والجرافيك وكات التصميم لجون بهاء، بشكل ذكي ومتكامل مع الديكور، مما أضفى بعدًا بصريًا حديثًا، والإضاءة من عز حلمي ساهمت في تحقيق التحولات النفسية والمكانية ، وكانت عنصرًا فاعلًا في العرض.
والإدارة المسرحية كانت موفقة حيث إدارة المسرح من غادة إسماعيل وبسملة رفعت وحميدة صلاح كانت منضبطة،، خاصة في التنسيق بين الأطفال والكبار، والمخرجان المنفذان عماد عبدالعظيم وياسر جمعة، ومساعدو الإخراج، ساهموا في تنفيذ الرؤية الإخراجية بسلاسة.
تعد مسرحية “الملك وأنا” تجربة مسرحية استعراضية راقية ، تمزج بين الكوميديا والغناء والفانتازيا، وتُقدَّم برؤية إخراجية حديثة تحترم القصة الأصلية وتُعيد تقديمها للجمهور المصري بأسلوب جذاب ومؤثر.